الذكريات روافد تصب في مسار الحياة.. يسقط منها ما قد يؤثر سلباً في المسار، ويترسب منها في وعاء الذاكرة ما يؤثر إيجابا في مسارنا الطويل فيتحقق ما يقوله الشاعر: ( إن الذكريات هي معنى العمر في هذه الحياة) وفي سواقي الذاكرة اشخاص ساهموا بهذا القدر أو ذاك في بناء رياضتنا وتحديد نهجها ومستقبلها ....نرفعهم في بيارق الذاكرة وفاء لهم ولما قدموه ..هذا الوفاء هو الرابط الإنساني الذي يبقى يذكرنا بالمقولة: (من علّمني حرفاً ملكني عبداً).
إلى هؤلاء جميعاً احني رأسي تقديرا والى ذكراهم أقدم لهم كلماتي التي يحكيها القلب والضمير عبر (المدى الرياضي)
قاسم العبيدي.... الرياضي المثالي والصحفي المبدئي
لم يكن اسم قاسم العبيدي الغني عن التعريف مقترنا فقط بالصحافة الرياضية وحدها كما يعتقد البعض على الرغم من كونه احد روادها ورمزا من رموزها ... وانما لكونه بالاساس رياضيا حيث نشأته في محيط وجو رياضي مما اكسبه بوقت مبكر الخبرة الادارية والتي بدئها بتدرج منتصف الستينات مع الفرق الاهلية عندما كانت لتلك الفرق مكانتها ودورها الكبير في توسيع قاعدة اللعبة ورفد المؤسسات والاندية الرياضية وكذلك المنتخبات الوطنية باللاعبين ذو المواهب الكروية ومن تلك الفرق المشهورة في تلك الفترة داينمو بغداد ومنتخب المشتل والكرادة والنهضة الكاظمي والاعظمية ومنتخب البياع واتحاد العزة وشباب الطليعة والعاصفة واتحاد كرمان ومنتخب العوينة واتحاد كلر ومنتخب الكسرة واتحاد حبيب ومنتخب الاسكان , وان قسم من تلك الفرق المتميزة كالمشتل وداينمو بغداد والعاصفة والطليعة واتحاد كلر والكسرة كانت تضم بعضاً من لاعبي المنتخبات الوطنية البارزين واللذين كانوا يشاركون مع فرقهم الشعبية خاصة في البطولات التي كانت تنضم بشكل منظم من قبل تلك الفرق وبتمويل ذاتي ولغرض ان تاخذ تلك المباريات الاهتمام المطلوب كان يقود مبارياتها حكام درجة اولى ودوليين وبدون مقابل ؟ ومنهم المرحوم صبحي اديب وعصام عمر وغني الجبوري واحسان قدوري وعبد القادر عبد اللطيف ووهاب خلف وعباس عبد الرحمن وحازم الشيخلي وغيرهم......وعلى الرغم من منع اتحاد الكرة لاعبي المنتخبات باللعب مع الفرق الاهلية وفرض عقوبات عليهم في حالة المشاركة الا ان وفاء هؤلاء اللاعبين لفرقهم لم يثنيهم عن ذلك !! .... ومن هؤلاء اللاعبين الذي نذكرهم وزملائهم بالخيير ,الكباتن هشام عطا عجاج ومحمود اسد وعصمت السيد ومجبل فرطوس وخضير علوان ودنو وباسل مهدي وطرزان ولسن وفانوس الاسدي ومحمد طبرة وجاسم ابو العواطف وطارق عزيز وفلاح حسن وصمد اسد وصباح حاتم والمرحومين مظفر نوري وعامر جميل ومعذرة لمن لم تسعفنا الذاكرة بذكرهم.
بعد تلك الفترة ومن خلال عمله كموظف في مديرية اسالة الماء التي كانت تمتلك فريقا جيدا بكرة القدم يضم لاعبين متميزين يلعب قسم منهم في منتخب بغداد وكان مرشحا ساخنا للصعود الى مصاف فرق الدوري الممتاز , الا انه خسرفي المباراة النهائية مع منافسه شرطة النجدة ليترشح بدلا عنه ضمن فرق المقدمة , وقد كان للعبيدي دورا ملحوظا في اسهاماته لفريق الاسالة من خلال تواجده ومتابعته كعضو في اللجنة المشرفة على الفريق وبقى مستمرا في نشاطه معهم لحين مشاركتهم في الدوري الممتاز منتصف السبعينيات بعد قرار اللجنة الاولمبية المجحف والغير مدروس بالغاء المؤسسات الرياضية !! وتغيرها الى اندية ومنها الاسالة التي اصبح اسمها نادي الامانة ...... وفي عام 1971 تم انتخابه عضو في مجلس ادارة النادي العربي الذي ترأسه المرحوم الصحفي وعضو اتحاد كرة القدم عبد القادر العاني ولامانة السر كاتب هذه الحلقة , ومن خلال حضورنا المستمر ومتابعتنا لشؤون النادي الطبيعية كان الزميل قاسم فعالا ومتميزا في تنفيذ المهام والواجبات التي يكلف بها نتيجة حرصه المتزايد وجديته. ومن سماته الطيبة رغبته الصادقة في مساعدة الرياضيين وطرح مشاكلهم والسعي لايجاد الحلول المطلوبة وغالبا ما كان يساهم شخصيا في حلها .... وانا شاهد على كثير من تلك الحالات الانسانية والتربوبة التي تحسب له وجزاه الله خيرا على كل عمل طيب.
المسؤليات العديدة التي انيطت به .....نتيجة كفائته الادارية وامكاناته الصحفية العالية , فقد تسنم العديد من المسؤوليات منها نائب رئيس الاتحاد العراقي للصحافة الرياضية وترأسه لفترة طويلة القسم الرياضي لجريدة الثورة واصبح كذلك رئيساً لتحرير جريدة الزمان الرياضي عام 2006. ان تراكم الخبرة الااعلامية والسمعة الحسنة التي تمتع بها انعكست ايجابا على عمله من خلال رغبة العديد من وسائل الاعلام العربية لاختياره مراسلا لمجلاتهم الرياضية منها مجلة الوطن الرياضي في لبنان ومجلة الصقر القطرية ومجلة الرياضي الكويتية , اضافة الى مشاركاته في العديد من البطولات والدورات الرياضية الاولمبية والدولية والعربية ومنها دورة اولمبياد موسكو 1980 ولوس انجلس عام 1984 وعدد من بطولات الخليج العربي التي كرمته في اكثر من مناسبة اعتزازا بجهوده لخدمة الاعلام العربي .
دفع ثمناً باهضاً لموقفاً مبدئياً ؟
1 – قد لا يعرف الكثيرون لماذا اعفي الزميل قاسم العبيدي من مسؤوليته كرئيس للقسم الرياضي في جريدته اواخر السبعينات من القرن الماضي .. وهنا نود ان نوضح بان الامانة والصدق وشرف المهنة وحجم الالتزام بنقل الحقائق الى القاريء كان هو السبب في ذلك .. فبعد لقاء منتخبنا الوطني بكرة القدم في مباراة ودية ببغداد مع فريق سويدي وفوزه عليه " أعلن " يومها على انه منتخب السويد وكعمل صحفي ، اجرى الزميل قاسم لقاء مع المدرب السويدي واختار لذلك اللقاء العنوان التالي ( مدرب الفريق السويدي : نأسف لاننا لعبنا معكم بفريق للهواة ) وفي الواقع فان تلك كانت هي الحقيقة بعينها دون زيادة او نقصان وان الفريق السويدي الذي واجهناه لم يكن يضم اي لاعب اساسي في المنتخب السويدي خصوصا وان الناس يومها كانوا يعرفون لاعبي السويد جيدا بعد العروض الرائعة لمنتخب السويد في كأس العالم لعام 1978 ومنها فرض التعادل على منتخب البرازيل ( 1 – 1 ) في واحدة من اجمل مباريات تلك البطولة ..
اما الذي حدث بعد ذلك الخبر الذي نشر فهو ان " وفدا " من اتحاد كرة القدم المركزي زار رئيس تحرير الجريدة في الليلة التالية ليرمي الزميل قاسم بتهمة " الاساءة " الى سمعة الكرة العراقية و" التقليل " من شأن الفوز الذي حققه منتخب العراق على " منتخب السويد " المزعوم ، فما كان من رئيس التحرير ، الذي لم يكلف نفسه حتى مجرد استفسار من الزميل قاسم العبيدي حول مدى صحة تلك الادعاءات من قبل الاتحاد ، الا انه اصدر قراراُ عاجلاً في نفس الليلة يتضمن أعفاء الزميل قاسم من مهمة رئاسة القسم الرياضي ..!!
ان هذه واحدة من الاعباء التي جابهت الزميل قاسم بسبب مبدئيته للحفاظ على شرف المهنة وهناك الاكثر ! ان الذي اكد لي تلك الحالة , على الرغم من معرفتي بكل تفاصيلها في وقتها , الاخ والزميل العزيز الصحفي المقتدر صفاء العبد لانه والعبيدي كانا يعملان مع في نفس القسم الرياضي للجريدة ....
أن كلمة الحق تحتاج الى رباطة جأش ....والمبدئية تبقى النبراس الحقيقي لعمل كل انسان ....
رحم الله قاسم العبيدي الصحفي المبدئي والانسان .
تعليقات
إرسال تعليق