ذكرياتي مع الاوفياء - الحكم الدولي الراحل صبحي أديب




بقلم  الدكتور عبد القادر زينل



الذكريات روافد تصب في مسار الحياة.. يسقط منها ما قد يؤثر سلباً في المسار، ويترسب منها في وعاء الذاكرة ما يؤثر إيجابا في مسارنا الطويل فيتحقق ما يقوله الشاعر: ( إن الذكريات هي معنى العمر في هذه الحياة) وفي سواقي الذاكرة رجال ساهموا بهذا القدر أو ذاك في بناء شخصيتنا وتحديد نهجنا ومستقبلنا .....نرفعهم في بيارق الذاكرة وفاء لهم ولما قدموه ..هذا الوفاء هو الرابط الإنساني الذي يبقى يذكرنا بالمقولة: (من علّمني حرفاً ملكني عبد اً )
إلى هؤلاء جميعاً احني رأسي تقديرا , والى ذكراهم أقدم لهم كلماتي التي يحكيها القلب والضمير عبر (المدى الرياضي )
الراحل المرحوم الحكم الدولي بكرة القدم صبحي اديب ......
شخصية متميزة وقوية داخل الملعب ....ودود ومتواضع اجتماعيا
التحكيم احد العناصر المهمة في نجاح اللعبة وافاق تطويرها , والمرحوم صبحي اديب كان من الحكام اللذين  ساهموا  مع زملائه من الحكام الكفوئين  لما تحقق لكرة القدم العراقية  من نجاحات على مدى الحقبة الزمنية الطويلة الماضية لان ذلك الجيل كان نموذجا  في العطاء والتضحية ونكران الذات وقدموا الكثير على الرغم من عدم الامكانات المتاحة انذاك ,  ولم يتهاونوا او يترددوا وهم حكام درجة اولى  في تلبية  تحكيم  مباريات الفرق الشعبية وبدون اي مقابل مادي ؟؟ هذه المبادرات كان لها بالتاكيد تاثير ايجابي على المستوى الفني للعبة لان التقيد بنظام  وقوانين اللعبة  من خلال حكام اكفاء ومعروفين يساهم في تطوير ذهنية  اللاعبين ورفع مقدرته, لاسيما وان الفرق الاهلية وكما هو معروف لدى ممارسي ومتابعي كرة القدم انها كانت  منتشرة بكثرة ولها مكانتها الاجتماعية وحضورها الجماهيري لما تتصف به من الالفة والتقارب الاجتماعي بين ابناء المنطقة ورفع اسمها , اضافة الى وجود لاعبين موهوبين ويعتبرون الرافد الحقيقي لاغلب الاندية ومنتخباتنا الوطنية وسنتطرق لاحقا لبعض الوقائع لتلك المواقف النبيلة لحكامنا مع الفرق الشعبية  في تلك الحقبة الزمنية التي لاتنسى وتكاد تكون من الحالات الفريدة جدا مقارنتا  بما هو معمول لدول المنطقة وهذا ناتج من  شعورهم بالمسؤلية وشغفهم باللعبة ... والمرحوم صبحي اديب احد خريجي تلك الفرق الاهلية وبالتحديد في منطقة الفضل المعروفة  بتعدد فرقها  وملاعبها  وقد لعب لفرق الهندسة الالية وفريق السكك والكلية العسكرية وفريق نادي الهواة الرياضي هذا النادي العريق الذي ينبغي التطرق اليه ولو بكلمات قليلة لكنها مضيئة وفاءاً للاجيال المخلصة الراحلة التي تعاقبة على مسيرته سواء مجالس الادارة اوالمدربين اللذين  تخرج على ايديهم العديد من الابطال بالملاكمة والاثقال وكرة القدم والسلة والسباحة ’ ورغم تلك الانجازات لم ياخذ  هذا النادي مع الاسف الشديد مكانته الارشيفية ودوره في تاريخ الرياضة العراقية كباقي الاندية الاخرى كالنادي الاولمبي في الاعظمية والكرخ والشباب والهومتمن ونادي الاعظمية والكاظمية والاثوري والعربي وغيرها من الاندية وفي المحافظات كذلك لاننا كما ذكرت لانهتم بالتوثيق وتاريخه واحداثه !!, رغم ضرورته ..... وسنحاول ان شاء الله وبتعاون المخلصين ممن لهم الدراية بهذا ألشأن التطرق الى اهم ركيزة اساسية في بناء الرياضة وهي الاندية, خاصة التي كانت لها بصمات واضحة في تاريخ الرياضة العراقية .... وفي الستينات تم اختيار المرحوم صبحي اديب للعب ضمن فريق منتخب بغداد الاهلي والذي كان لا يقل مستوى عن المنتخب الوطني حيث كانت قاعدة كرة القدم تزخر بالنجوم , وفي نفس الفترة لعب لفريق نادي امانة العاصمة الذي فاز ببطولة دوري المؤسسات وكان يضم لاعبين معروفين امثال المرحوم طارق محمد صالح واحمد ريشان واسكندر وطارق مصلاوي وغيرهم من اللاعبين .
الشارة الدولية للمرحوم صبحي اديب ....
بعد تفوقه كحكم درجة اولى واجتيازه للدورات التحكيمية واختبارات (كوبر ) الخاصة باللياقة البدنية  تم ترشيحه عام 1967 للشارة الدولية التي استحقها بجدارة لكونه كان حكما نزيهاَ وحازماً  ويمتاز بجرأة اتخاذ  القرار بكل شجاعة رافضا المحاباة وكان اللاعبين يهابونوه ويبتعدون عن الاعتراض والاحتكاك به لقوة شخصيته , وهذا ما كان يحسب للمرحوم صبحي اديب تلك الصفة ألايجابية....
مواقف مبدئية نادرة له ...
عام 1970حلت  بالمرحوم صبحي اديب مصيبة اليمة حين تعرض  ولداه الى صعقة كهربائية توفيا رحمهما الله على اثرها , ومن المصادفات ان يكون عنده في نفس اليوم واجب تحكيمي بين الصناعة والمشاة على ملعب الكشافة ضمن مباريات الدوري الممتاز, وقد ابى الا ان يقود المباراة رغم  التماس الجميع له بعدم التوجه الى الملعب .... ان تلك الحالة النادرة من الاخلاص والتضحية والوفاء  ليست غريبة على ذلك الجيل المعطاء  كالمرحوم فهمي القيمقجي وصالح فرج ولطفي عبد القادر وسعدي عبد الكريم ومؤيد عبد المجيد وغني الجبوري وصبحي رحيم ونوري عباس وعصام عمر ووهاب خلف وذاري هاني وحازم الشيخلي وسامي ناجي وعلاء عبد القادر وسالم ناجي وعبد القادر عبد اللطيف وصلاح محمد كريم واحسان قدوري وعادل القصاب وحازم حسين وفلاح منفي واعتذر اذا نسينا زملاء اخرون... بالمناسبة والشيء بالشيء يذكر فان حالة تربوية مماثلة كان نموذجها الحريص والخلوق  حارس مرمى الفرقة الثالثة والمنتخبين العسكري والوطني انور مراد حين توفيت والدته وشارك في اليوم الثاني  مع فريقه احدى مباريات الدوري بكل جدية واخلاص واصرار , فاين نحن من ذلك الجيل الغيور ؟  وكانت مثل  تلك الحالات الفريدة التي يقومون بها كتعبير حقيقي عن اخلاصهم لمهنتهم ويعتبرونها جزء من شخصيتهم ويفتخرون بها  , ولربما حاليا تكون محط استغراب ودهشة للبعض ممن تبؤا مسؤليات رياضية وهم دخيل عليها وما اكثرهم  الان مع الاسف والالم ؟
اصعب المواقف التحكيمية الحرجة على المرحوم صبحي اديب ؟
عام 1978/1979 وضمن مباريات دوري كرة القدم التقى فريق الشرطة والميناء على ملعب الشعب الدولي وبحضور جمهور كبيرجدا زاد عن استيعاب الملعب  المقررمما حدى بالاتحاد ان يسمح للجمهور بالدخول والجلوس على ارضية الملعب في ظاهرة غير طبيعية ولكن الحمد الله الامور سارت بشكل طبيعي وهذا ما يحسب لجمهورنا الواعي ابتعاده عن التعصب والاثارة والمغالاة ...وفي غمرة هذا العرس الكروي من خلال هذا الحضور الجماهيري الكبير المتفاعل مع المباراة التي كانت سجالا بين  الفريقين لتقارب المستوى بينهما , اضافة الى التشجيع المستمر والترقب خاصة من انصارجماهير فريق الشرطة الغفيرة حيث ان نادي  الميناء  كان متقدم 1- صفر والنتيجة مهمة جدا لان عليها يتحدد تقريبا من سيفوزببطولة الدوري, وقبل انتهاء المباراة من شوطها الثاني احتسب المرحوم الحكم الدولي صبحي اديب ضربة حرة غير مباشرة لصالح فريق نادي الشرطة من مسافة 25 – 30 يارد  وكان المكلف بتنفيذ تلك الضربات وكذلك ضربة الجزاء كل من اللاعبين فانوس الاسدي او دكلص عزيز لتميزهم بالدقة والقوة عند التهديف وقد ذكرت ذلك لاني كنت وقتها مدرب فريق نادي الشرطة , وبالفعل تقدم اللعب دكلص والمرحوم صبحي لازال رافع يديه للتاكيد على ان الضربة حرة غير مباشرة ووسط ذهول الجميع ومن تلك المسافة البعيدة دخلت الكرة الهدف لدقتها وقوتها وتوجه الحكم الى وسط الملعب معلنا هدف التعادل؟ ....وللامانة لم يخطر بذهن اي من المعنيين سواء اتحاد اللعبة او الفنيين  وحتى  كاتب المقال باعتباري كنت مدرب لفريق الشرطة, قد انتبهوا بان الهدف غير قانوني لان الضربة الحرة الغير مباشرة وكما هو معروف في قانون اللعبة  ينبغي ان تمس احد اللاعبين ولكنها دخلت الهدف بدون ان يمسها اي لاعب وقد فاتت على الجميع بتلك اللحظات الحاسمة وسط حماس وفرح أغلب الحضور من المشجعيين خاصة جماهير الشرطة لهذا الهدف الذي اعاد الامل للمنافسة على بطولة الدوري ... وفي مساء نفس اليوم  تلقيت اتصالا من  الاذاعة والتلفزيون بضرورة حضوري واللاعب دكلص من خلال برنامج الرياضة للتحدث عن الهدف واهميته ورأينا في  الحالة وقد علمت بان احد طلاب كلية التربية الرياضية قد اتصل بالتلفزيون موضحا حالة رفع الحكم يده وهو دليل على ان الضربة حرة غير مباشرة والكرة دخلت الهدف بدون ان يمسها احد من اللاعبين وعليه فان الهدف يعتبرغيرقانونيا ..... وكان ذلك من المواقف المحرجة والصعبة للمرحوم صبحي الذي برر تلك الهفوة من ان   الكرة قد مست يد حارس المرمى  ولضعف التكنلوجيا  التلفزيونية الاعلامية الرياضية أنذاك !! فقد اختفت الحقيقة التي كان بالامكان الاستفادة منها  بما يخدم اللعبة .....
تغمد الله الراحل المرحوم الحكم الدولي صبحي اديب فسيح جناته والى اللقاء في الحلقة القادمة  مع ذكرياتنا مع الاوفياء
              الدكتور عبد القادر زينل - محاضر دولي    

تعليقات