ورقة عن واقع الحركة الرياضية




ورقة عن واقع الحركة الرياضية
واقع الحركة الرياضية في العراق

      لا يختلف اثنان من المهتمين بالشأن الرياضي العراقي، والحريصين عليه، في أنَّ واقع الحركة الرياضية في العراق بعد التغيير 2003، بات واقعاً مؤلماً جداً ومُحبطاً، بما أصبح يشوبه من عشوائية في التنظيم، وما يعتريه من تناقضات واضحة، وتردي في الإدارة، وهدر واضح لأموال طائلة رصدت في هذا المجال المهم والذي يعد من المجالات الحيوية المهمة لنهضة الشعب العراقي وسمعة العراق الإقليمية والدولية.  
         لقد كان الأمل يحدو أهل الرياضة والمهتمين بها، أن يحصل تطوير وتغيير في مسار الرياضة في العراق بعد التغيير عام 2003، نحو الأحسن، وتجاوز سلبيات المرحلة السابقة التي رافقت الحركة الرياضية، والتداخلات المختلفة التي كانت تحصل في مسيرة الرياضة، فكان التطلع في البداية أن يكون الواقع القادم افضل حالا من السابق، وفعلاً عُقِدَت عدة موتمرات وتجمعات بحضور العديد من الخبراء وأصحاب الشأن الرياضي فيها لدراسة واقع الحركة الرياضية في العراق وسبل النهوض بها وبمجمل الرياضة العراقية، خصوصاً بعد التخلص من القيود التي كانت مفروضة على ادارة الملف الرياضي وحرية اتخاذ القرار، وكان المؤمل أن تتشكل قيادة رياضية حكيمة تعمل على النهوض بالملف الرياضي، وأن تشكل لجان لتعديل القانون السابق او تعديل بعض فقراته بما يتلائم مع الواقع الجديد، والتخطيط لتشكيل اتحادات وفق اسس متوازنة جديدة،  وأن يعتمد معيار الكفاءة والخبرة والتجربة الميدانية في إختيار من يمثلها، وأن يتم تشكيل المنتخبات الوطنيه وتوفير جميع ما تحتاجه في عملية إعداد فرقها، وتجهيزها لتمثيل العراق، وفق معايير الكفاءة والوطنية والتخطيط الجاد لإحراز النتائج اللائقة بسمعة العراق على الصعيد الدولي واظهار اسم العراق بالمحافل الدولية في ابهى صورة، ولكن للأسف الشديد فإن ما حصل كان تماماً على عكس المؤمل والطموح المرتجى، وما ينبغي أن يكون.
1.   فكل القيادات التي تشكلت لم تكن حكيمة في ادارتها سواء في اللجنة الاولمبية العراقية او وزارة الشباب ولم تكن بقدر المسؤوليه المناطة بها فطغى عليها الفساد الاداري والمالي والطائفي وهي الصبغة الجديدة على المجتمع العراقي التي ظهرت وبرزت بعد التغيير الجديد.
2.   للأسف فإن جميع الانتخابات التي اقيمت لاختيار القيادات للجنة الاولمبية سواء في المكتب التنفيذي أم في الاتحادات كانت خاطئة اذ لم تجرى على أسس قانونية، لا وفق القانون السابق، ولا وفق التعديل الجديد الذي اجري على القانون والذي فُصِّلَ ليتلائم مع اشخاص معنيين، كي يكونوا ضمن الهيئات الادارية، لذلك ظهرت اسماء وطفت وجوه جديده غير معروفة في الوسط الرياضي الحقيقي، ولا تمتلك الكفاءة اللازمة لتقود اللجنة الاولمبية والاتحادات الرياضية، فضلاً عن ان هذه الانتخابات كان يشوبها الفساد المالي بشراء الذمم لكسب الاصوات، والادهى من ذلك ظهور النعرات الطائفيه في الاختيار والتدخل السياسي والطائفي من سياسيي الدولة بذلك. 
3.    لم تستغل الأموال الطائلة التي رصدتها الدولة من أجل النهوض بالحركة الرياضية في العراق بالشكل الأمثل، وانما اهدرت بدون تخطيط فضلا عن استغلالها شخصياً ولم تكن هناك رقابة مالية على آلية الصرف وقانونيته.
4.   اما وزارة الشباب  فقد تمت ادارتها سياسياً وطائفياً وحزبياً من قبل احزاب، وقد شابها فساد اداري ومالي كبير أعلن عن الكثير منه عبر الصحف ووسائل الإعلام المختلفة، في بذخ وصرف أموال طائلة اهدرت على أندية ومشاريع وهمية او مشاريع يشوبها فساد مالي.
5.   بالرغم من الأموال الطائلة المرصودة للجنة الأولمبية العراقية، ووزارة الشباب، فإنه لم يحصل أي إهتمام بالبنى التحتية للرياضة العراقية من كافه النواحي وهو الأساس الحقيقي من أجل بناء رياضة المستويات العليا فضلا عن الرياضه الجماهيريه التي تخص شرائح الشعب.
6.   الخلاف القائم بين اللجنة الاولمبية ووزارة الشباب والتقاطعات في الصلاحيات الممنوحه لهم وهذا مايؤثر على الشأن الرياضي بشكل عام.
7.   وصول هذه المشاكل حتى للمؤسسات العلمية مثل كليات التربية الرياضية والتي اصبح التعليم فيها مهزلة وضعيفاً لهيمنة النعرة الطائفية عليه وتهميش العديد من الكوادر العلمية الحقيقية التي لها شأن وأهمية فكرية وعلمية مشهودة، واختيار مدرسين ليسوا بالمستوى العلمي المؤهل.
        هذه بعضاً من أبرز المشاكل التي سادت وما زالت تسود المجال الرياضي العراقي والتي كان ومازال لها تاثير كبير على التخطيط المستقبلي للرياضه العراقية،  والتي اصبحت اكثر سوءاً وتاثيراً سلبياً على مستقبلها، والتي تحتاج الى دراسات واسعة لوضع الحلول الآنيه والواقعية لانتشالها من واقعها الحالي نحو الأفضل والأحسن.
مشكلة تردّي الوضع الرياضي والشبابي في العراق

        لقد شهد الوضع الرياضي في العراق تراجعاً كبيراً في مستواه، بعد التغيير عام 2003، وهذه الحقيقة لاتحتاج إلى إثباتات أو براهين، بل إنها أصبحت من بين المشاكل المتعددة الواضحة التي يعاني منها مجتمعنا في كل مفاصل وميادين الحياة..
       وبما أن ميدان التربية الرياضية لا يتحدد في وزارة أو مؤسسة أو إدارة معينة، كونه يرتبط في واقع الحال بعدة جهات: مثل وزارة الشباب، واللجنة الأولمبية، والأندية، والمؤسسات الرياضية، ووزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ووزارة التخطيط، ووزارة الإعمار والإسكان، ومؤسستي الجيش والشرطة ...إلخ، لذا فأن التراجع هنا أو التأخر إنما يمثل مشكلة عامة ترتبط اسبابها بالعديد القطاعات الحكومية والأهلية في الدولة وهو مايجعلها ذات تاثير مباشر وكبير على مجمل الواقع العام للدولة وعلى مستوى التنمية والتطور في واقعنا الاجتماعي على مستوى العموم.
أسباب تردي الوضع الرياضي بالعراق:
أما أهم اسباب تضخم هذه المشكلة وبروزها من وجهة نظرنا فترتبط بالتالي :
·         سوء الإدارة الرياضية غير المؤهلة ..
·         غياب التخطيط والتنظيم والمتابعة ..
·         غياب التنسيق في العمل الرياضي بين قطاعات المجتمع كافة ..
·         عدم وضوح أهداف العمل الرياضي لتلك القطاعات ..
·         غياب الإشراف والرقابة والتقيييم والمحاسبة ..
·         المحاصصة السياسية للكتل والأحزاب بالحكومة ..
·         تضخم الفساد الإداري والمالي في العمل الرياضي ومشاريعه التنموية..إلخ.
·          كما أن إرتفاع نسبة الأمية في العراق في السنوات الأخيرة سبب مشكلة إضافية كبيرة في المجتمع الشبابي بالعراق ، وهي مشكلة باتت معالجتها من الامور الملحة جداً  وهنا نريد ان نستشهد بما ذكره رئيس الجهاز المركزي للإحصاء بأن (الأمية هي راية الإستسلام البغضاء) حيث ذكر في بيان له على شبكة الإنترنيت:
  "لَيْسَ غريباً أنْ نُحارَبَ في فكرنا، وأنْ يجعلوا مِنا فقراء وتابعين غير مستقلين ولا مستقرين، لأن من سبق له إيذاء شعب العراق بمختلف مسميّاتهم وتاريخ إحتلالهم أو إستعمارهم قد عرفوا تماماً أن الشيء البسيط من العلم والإستقرار سيُفجر ينبوعاً من المفكرين والعلماء وسوف ينادون بالإستقلال والحرية، خصوصا وأن هناك من يسمعهم ويتبعهم وبالنتيجة فانهم سيواجهون ثقافة وفكر الطامع المحتل بكل قوة".
      وبما أن هذه المشكلة واسعة ومتشعبة، وفقا لهذه الصورة الحقيقية والواقعية، فانها تتطلب مناقشة ودراسة عميقة لكل قطاع من تلك القطاعات في عراقنا العزيز الذي تأخر وتراجع كثيراً خلال العقد الأخير بعد التغيير رغم صرف ميزانيات كبيرة جداً في مختلف المجالات ومنها المجال الحيوي للشباب ولكافة أفراد المجتمع, وهذا يتطلب منا إجراء دراسات علمية ميدانية لكل قطاع من تلك القطاعات معززة بالإحصائيات.
      ثم أن مشكلة إحتلال "داعش" للمحافظات الغربية والوسطى زاد من معاناة مجتمعات تلك المناطق كثيراً، هذا إضافة للإختطافات والإنتهاكات والإضطهادات التي تمارس على أهالي تلك المناطق من قبل مجاميع من القوات الأمنية والميليشيات وفرق ما يسمى بالحشد الشعبي الأخيرة، التي أسهمت كثيرا في تكريس الطائفية والحقد والفرقة بين أبناء المجتمع في تلك المناطق وفي العراق ككل.
المشكلة وتأثيراتها على المجتمع:
         ومن هنا يمكننا القول ان مجتمعنا العراقي، الذي يمثل فيه قطاع الرياضة والشباب النسبة الاكبر، قد إنجرَف مع شديد الأسف نحو الطائفية والتعصب  والحزبية الضيّقة، حيث تعاظم ذلك في أوساط الشباب شأنه شأن الأوساط الاخرى بحيث أصبحت مشاكل الشباب عميقة جداً، وباتت مشكلة المحاصصة واضحة في الوزارات واللجان والمؤسسات الرياضية والتربوية والأمنية. وقد شُخّصَت هذه المشكلة جيداً من قبل بعض الجهات التي يهمّها مصلحة العراق ومستقبله بحيث راحت تنادي ومنذ سنوات لتحقيق مصالحة حقيقية بين كل الاطراف والعمل على تجاوز ما خلفته كل تلك الظواهر المقيتة، غير أن شيئاً من ذلك لم يتحقق مع شديد الأسف.
          لقد أدى الوضع السياسي الحالي وما رافقته من مظاهر التكتلات والكيانات والمحاصصات الى تفاقم جميع المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا ومنها مشاكل ميدان الرياضة والشباب، الامر الذي يدفعنا الى ضرورة التأكيد على العمل بكل ما نستطيع من قوة للتغلب على تلك المشاكل في عموم البلاد..
         وبما أن لجنة الرياضة والشباب في منتدى النخب والكفاءات تسعى إلى تعديل مسار العمل الشبابي والدفع به نحو الطريق الصحيح، فاننا نضع في أولوية عملنا التغلب على مشكلة الطائفية والعرقية والحزبية التي تفشت في المجتمع الرياضي والشبابي مثلما هو الحال في عموم المجتمع العراقي.. ومن هنا نقول أن العمل على تعديل وتصحيح هذا المسار في المجتمع يتأتى عن طريق تغيير أفكار ومفاهيم القيادات العاملة في ميدان الرياضة والشباب والتركيز على المصلحة الوطنية العليا لبناء هذا البلد، وهي المصلحة التي تعلو على جميع المصالح والقيم الأخرى التي يحمل لوائها بعض الفاسدين في ميدان الرياضة والشباب ..  
            أن المصالحة الوطنية وتغليب الفكر الوطني تعد من أهم مفاتيح النجاح في تعديل المسار وتصحيح العمل في ميدان الرياضة والشباب مستقبلاً،  ثم العمل على تظافر الجهود بين مختلف الوزارات التي ترعى مستقبل العمل الشبابي الهادف إلى تنسيق وتوافق أفضل في خططها وبرامجها.. أن هذا البرنامج يتطلب إستقراراً وأمنا وسيادة وانتماءً حقيقياً ومخلصاً للعراق, كما يتطلب تفانياً وصبراً وجهداً كبيراً لأجل مستقبل أفضل للأجيال الشبابية القادمة.

لذا فأننا نستطيع أن نلخص خططنا المستقبلية لعلاج مشاكل العمل الشبابي والرياضي في النقاط التالية:

1)   القضاء على مشكلة الطائفية الدينية والحزبية والعرقية بين أفراد المجتمع الشبابي.
2)   التغلب على الإنتماءات والتكتلات والمحاصصات في الوزارات والمؤسسات الشبابية.
3)   ترسيخ الجوانب الأمنية والإجتماعية والتربوية والثقافية في جميع الوزارات واللجان والمؤسسات والمراكز والأندية الشبابية في المحافظات العراقية كافة.
4)   إختيار الوزراء والمدراء والقياديين في العمل الشبابي وفق التحصيل الأكاديمي والتخصص والكفاءة العلمية والخبرة الوظيفية .
5)   تنسيب الخبراء والكفاءات والأشخاص النزيهين الذين يستطيعون العمل بتفانٍ وإخلاص وصبر وبدون تدخل من أي طرف في مسارات عملهم للتطوير والإصلاح.
6)   تنسيب الخبراء الأكاديميين للعمل الميداني في مدارس ومراكز إعداد الموهوبين.
7)   حل مشاكل التخلف والأمية والعنصرية بين الكوادر التدريبية في المراكز الشبابية والأندية والإتحادات الرياضية في كافة محافظات العراق ,
8)   حل مشاكل التضارب بين العمل الشبابي الوظيفي والرياضي بين مختلف الوزارات التي تهتم بفئات المجتمع الشبابي وتعمل على تطويرهم .
9)   حل مشاكل نقص المنشآت والأبنية الرياضية والشبابية المختلفة في المحافظات كافة .
10)   حل المشاكل المالية والمخصصات السنوية للأندية والمؤسسات والمشاريع والرواد وكافة مفاصل العمل الشبابي والرياضي وتشجيع الفرق والأفراد المبدعين فيها.
11)   التأكيد على الدور الجماهيري الواسع في كل ذلك من خلال العودة الى احياء العمل الرياضي في الاوساط الاهلية والمتمثلة قبل كل شيء بمراكز الشباب والفرق الشعبية التي شكلت ولسنوات طويلة ينبوعاً لتغذية منتخبات العراق شأنها في ذلك شأن الرياضة المدرسية والجامعية وكلاهما بحاجة الى نهضة حقيقية تعيد لهذا القطاع المهم دوره الكبير في عملية البناء الرياضي والشبابي في عراقنا العزيز.
12)   العمل على اعادة الحياة للرياضة النسوية التي سجلت في السنوات الاخيرة تراجعا كبيرا مقارنة بما كانت عليه وخصوصا في العقد السبعيني يوم سجلت المرأة العراقية حضوراً رائعاً ومتميزاً في العديد من المحافل الرياضية وحققت تقدماً واضحاً في مختلف الالعاب وهو مايتطلب جهداً كبيراً يعيد للمرأة العراقية حضورها المهم وخصوصا على مستوى القاعدة الرياضية.



والله هو الموفق



الدكتور/ عبدالقادر زينل

تعليقات